صمتا فاليوم ذكرى شهيد
انه ليس كأى شهيد . انه من كانت الدانة التى استقرت إحدى شظاياها داخل جسد الشهيد العظيم آخر دانة تطلق على اموقعه ، فقد انسحب العدو بعد أيام تنفيذاً لاتفاقية فصل القوات
" كفنوني بعلم مصر ، وسلموا أبنتي ( منى ) المصحف والمسبحة " كانت تلك وصيته التى القاها على جنوده لحظة أن وطئت قدماه أرض موقعة ( كبريت ) في التاسع من أكتوبر 1973. .
من يكون شهيدنا غير الشهيد العقيد / إبراهيم عبد التواب .أحد رموز العسكريه فى العالم .
انه قائد ملحمه من أعظم ملاحم التاريخ العسكرى فى العالم "ملحمة كبريت "
مازالت معاهد البحث العسكرية تضع معركة كبريت كأحد النماذج في العبقرية العسكرية.. وفي التضحية بلا حدود تلك المعركة التي قال عنها كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت انها إحدي المعارك الكبري التي شرفت العسكرية المصرية ووضعتها في مكانة متميزة بين جيوش العالم.. وكنت أتمني أن أقابل قائد الكتيبة ابراهيم عبد التواب.
وكتبت عنها إحدي الصحف اليهودية علي لسان ضباط من الجيش الاسرائيلي "لا ندري كيف استطاع المصريون أن يصمدوا في حصار دام 134 يوماً بدون مياه أو امدادات ولم يستسلموا وكانوا يبادرون بالهجوم .
ليلة 23 أكتوبر 1973 استشهد المقدم محمد أمين على مقلد ، ومنذ هذه اللحظة تولى العقيد أركان حرب إبراهيم عبد التواب قيادة موقع كبريت فى نفس الوقت كان الحصار الطويل يبدأ .. قطعت الأتصالات اللاسلكية ودمر جزء كبير من معدات الإشارة نتيجة القصف الشديد يوم 23 أكتوبر فى نفس اليوم استشهد الرائد نور المسئول عن مواصلات الموقع السلكية واللاسلكية .
كانت شخصية إبراهيم عبد التواب ممسكة بكافة اطراف الحياة فى الموقع ، تؤثر فى الجميع بصلابتها وتواضعها وصمودها ، كانت المسألة بالنسبة له تعنى أن شرف مصر يتعلق بهذه البقعة من الأرض التى ترفع العلم المصرى فى قلب محيط من قوات العدو ، كان يهتم بأدق التفاصيل على امتداد الحياة اليومية للموقع .كان إبراهيم عبد التواب يقول :
" اذا ضربوا طلقة نرد عليهم بعشرة "
وكان لا يسمح بأى تحرك فى مواجهة الأرض التى يسيطر عليها الموقع ، أى عربة مدرعة اسرائيلية أو دبابة أو جندى ، أى حركة من جانب العدو كانت تقابل بإطلاق النار الفورى من الموقع
كان إبراهيم عبد التواب يستخدم الأسلحة الإسرائيلية والقذائف الإسرائيلية التى كانت موجودة فى النقطة القوية ويضرب بها مواقع العدو المحيطة . وأدى هذا إلى استفزاز العدو وإحداث شرخ فى روحه المعنوية ، كانت اسرائيل تريد اقتحام الموقع ولكنها عجزت عسكرياً أمام إصرار الرجال بقيادة إبراهيم عبد التواب . برغم الظروف القاسية عرضت إسرائيل إخلاء الموقع بدون أسلحة ورفض إبراهيم عبد التواب ورفضت قيادة القوات المصرية ، عرضت اسرائيل أن يسلم الموقع مع خروج جميع أفراده بكامل أسلحتهم وتسهيل انتقالهم إلى الجيش الثالث ، رفض إبراهيم عبد التواب ورفضت قيادة القوات المصرية .
وعندما جاءت إشارة يوم 17 نوفمبر من هيئة الأمم المتحدة تفيد بأن طائرة اسرائيلية ستصل الساعة 11 وعليها أفراد من الصليب الأحمر لإخلاء الجرحى الموجودين بموقع كبريت ، رفض إبراهيم عبد التواب مجىء الطائرة ورد قائلا : أنه سيطلق النار عليها لو هبطت بالقرب من الموقع ، فى نفس الوقت رفض الجرحى مغادرة زملائهم وفضلوا البقاء والعلاج بامكانيات الموقع الذاتية . كان الطيران الإسرائيلى قد دمر النقطة الطبية بالكامل والطبيب الوحيد بالموقع د. محمد عبد الجواد مصاب فى رأسه وعالج نفسه بمساعدة أحد جنوده ورفض أن يغادر الموقع تحت أى ظرف واستمر يعالج الأفراد .
منذ اليوم الأول للحصار جلس العقيد / إبراهيم عبد التواب وحوله رجاله _ ضباطــــًا وجنود _ يوضح موقف الكتيبة والإجراءات الواجب أتباعها ، وتعاهد الرجال أنه لاتفريط في الموقع حتى آخر طلقة وآخر نفس يتردد في الصدور .
لقد كان البطل / إبراهيم عبد التواب قدوة في تحمل آثار الحصار لكل الجنود ، فقد كان أقل رجاله أستهلاكــــًا للمياه والطعام بل أنه في بعض الإحيان كان يتنازل عن التعيين الخاص به لمن يرى عدم قدرته على تحمل حالة التقشف التى أتبعتها الكتيبة منذ اليوم الأول للحصار وأنقطاع الإمداد من الجيش المصرى
ورغم حالة الإعياء التى بدأت تظهر آثارها واضحة على البطل الشهيد ، بسبب قلة الطعام ، والمجهود الرهيب الذى يبذله ، فقد حرص العقيد / إبراهيم عبد التواب على أن يُصلى برجاله كل الفرائض في مواعيدها ، كان يخطب أيام الجمع يبث الحماس والأمل في نفوس رجاله ، ويبشرهم بنصر الله القريب أو الفوز بالشهادة .
.. بعد صلاة الظهر كل يوم يجلس ابراهيم الى الجنود يشرح لهم بعض الآيات وأسباب نزولها ويرد على استفسارات الرجال ، كان يطلب من المسيحيين قراءة الأنجيل باستمرار وفى قلب الموقع خصص قطعة من الرمال استخدمها المسلمون مسجداً واستخدمها المسيحيون كنيسة
كان يوجد راديو جاء كهدية من قيادة الجيش الثالث مع أحد قوارب الأمدادات كان وسيلة الأصغاء الى العالم الخارجى ، حرص ابراهيم على استخدام الراديو بحذر حرصا على البطاريات فلم يفتحه الا لسماع نشرات الأخبار والقرآن الكريم
حرص ابراهيم على ألا يثقل على قيادة الجيش بالمطالب ونظرة واحدة الى سجل ألأتصالات اللاسلكية الخاصة بتلك الفترة تثير التأثر الشديد مهما انقضت السنون ، كانت قيادة الجيش الثالث تلح فى معرفة مطالب الموقع ويجيب ابراهيم عبد التواب .. طمأنونا أنتم عن أحوالك ..نحن بخير ويمكننا أن نتصرف ..
كان ابراهيم عبد التواب روح موقع كبريت لا يزرع الصمود فى النفوس فقط ، أنما يزرع الحب ويعمق الأنسانية بين الرجال ، كان متواجدا فى حياة كل انسان بالموقع، لا يطلب أداء عمل صعب ألا ويكون هو أول من يقوم به مهما كانت نوعية هذا العمل واستمر جهده الفذ متصلاً منذ بداية الحصار ولمدة 134 يوماً كاملاً .
وفى يوم 14 يناير 1974 قام العدو الاسرائيلى بتحريك بعض عرباته المدرعة فى مواجهة الموقع وأمر ابراهيم عبد التواب باطلاق النيران . اصيبت عربة معادية اصابة مباشرة جن العدو ، وبدأ يفتح جميع نيرانه على الموقع وكالعادة كان ابراهيم فى الموقع المتقدم يوجه المدفعية عند الحد الأمامى وكانت الساعة العاشرة صباحاً ألا عشر دقائق عندما اتخذت دانة مدفع هاون عيار 81 مللى طريقها الى تلك النقطة المتقدمة ، سقطت الدانة غادرة إلى جواره فأستشهد رحمه الله بين رجاله .
لم يذهب استشهاده سدى . فتعاهد الرجال على الصمود قال كل منهم للآخر ، هكذا اراد الشهيد العظيم ولابد أن نحقق له ما اراد ، وكما اراد قاموا بدفنه على مستوى الأرض ، احتضنه الرائد محمد سعد الدسوقى الذى خلفه فى قيادة الموقع مددوه داخل ألأرض التى كانت بالنسبة له شرف مصر .
كان لوفاة البطل / إبراهيم عبد التواب أكبر الآثر في نفوس رجاله حيث أزداد عزمهم على عدم التفريط في الموقع أبدًا ، رغم العروض المغرية التى كان يلقيها العدو كل لحظة تارة بضمان سلامتهم ، وتارة بضمان عودتهم بإسلحتهم ، ولكن الرجال أصروا على القتال والمقاومة ، حتى تم إتخاذ قرار الفصل بين القوات ، وأنسحبت قوات العدو .
وفى برقية من قيادة الجيش الثالث إلى موقع كبريت . جاء فيها
" من هيئة عمليات القوات المسلحة إلى المقاتل سعد الدسوقى قائد موقع كبريت شرق ، جميع القوات المسلحة تقدر فيكم روح البطولة والفداء وتحيى روح الشهيد عبد التواب ، أملنا وثقتنا كبيرة فى صمودكم وثباتكم تحيتنا لجميع رجالكم ، إلى الأمام على طريق النصر "
كانت الدانة التى استقرت إحدى شظاياها داخل جسد الشهيد العظيم آخر دانة تطلق على الموقع ، فقد انسحب العدو بعد أيام تنفيذاً لاتفاقية فصل القوات وبقى موقع كبريت إلى الأبد رمزاً للشرف والصمود ....
وبقى اسم الشهيد ابراهيم عبد التواب رمزا خالدا للعسكريه والوطنيه
Comments
Post a Comment